الفصل التاسع والعشرين بعد المئة
أتفتخر الفأس مثلا لأنها قطعت حرجة حيث صنع انسان بستانا؟، لا البتة لان الانسان صنع كل شيء بيديه حتى الفأس، وانت أيها الانسان أتفتخر أنك فعلت شيئا حسنا وأنت قد خلقك إلهنا من طين ويعمل فيك كل ما تأتيه من صلاح، ولماذا تحتقر قريبك؟، ألا تعلم أنه لولا حفظ الله اياك من الشيطان لكنت شرا من الشيطان؟، ألا تعلم أن خطيئة واحدة مسخت أجمل ملاك شر شيطان مكروه؟، وانها حولت أكمل انسان جاء الى العالم وهو آدم مخلوقا شقيا وجعلته عرضة لما نكابد نحن وسائر ذريته؟، فأي اذن لك يخولك حق المعيشة بحسب هواك دون أدنى خوف، ويل لك أيتها الطينة لانك بتغطرسك على الله الذي خلقك ستحتقرين تحت قدمي الشيطان الذي هو واقف لك بالمرصاد، وبعد أن قال يسوع هذا وصلى رافعا يديه الى الرب، وقال الشعب: (( ليكن كذلك ليكن كذلك))، ولما أكمل صلاته نزل من الدكة، فأحضروا اليه جمهورا كثيرا من مرضى فابرأهم وانصرف من الهيكل، فدعا يسوع ليأكل خبزا سمعان الذي كان أبرص فشفاه يسوع، أما الكهنة والكتبة الذين كانوا يبغضون يسوع فأخبروا الجنود الرومانية بما قاله يسوع في آلهتهم، لأن الحقيقة هي أنهم كانوا يلتمسون فرصة ليقتلوه فلم يجدوها لانهم خافوا الشعب، ولما دخل يسوع بيت سمعان جلس الى المائدة، وبينما كان يأكل اذا بامرأة اسمها مريم وهي مومسة دخلت البيت وطرحت نفسها على الارض وراء قدمي يسوع وغسلتهما بدموعها ودهنتهما بالطيب ومسحتهما بشعر رأسها، فخجل سمعان وكل الذين كانوا على الطعام، وقالوا في قلوبهم: ((لو كان هذا الرجل نبيا لعرف من هذه المرأة ومن أي طبقة هي ولما سمح لها أن تمسه ))، فقال حينئذ يسوع: يا سمعان ان عندي شيئا أقوله لك، أجاب سمعان: تكلم يا معلم لاني أحب كلمتك.
الفصل الثلاثون بعد المئة
قال يسوع: كان لرجل مدينان أحدهما مدين لدائنه بخمسين فلسا والآخر بخمس مئة، فلما لم يكن عند أحد منهما ما يدفعه تحنن الدائن وعفا عن دين كليهما، فأيهما يحب دائنه أكثر؟ أجاب سمعان: صاحب الدين الأكبر الذي عفا عنه، فقال يسوع: لقد قلت صوابا، اني أقول لك اذا انظر هذه المرأة ونفسك، لانكما كنتما كلاكما مدينين لله أحدكما ببرص الجسم والآخر ببرص النفس الذي هو الخطيئة، فتحنن الله ربنا بسبب صلواتي وأراد شفاء جسدك ونفسها، فأنت اذا تحبني قليلا لأنك نلت هبة صغيرة، وهكذا لما دخلت بيتك لم تقبلني ولم تدهن رأسي، أما هذه المرأة فلما دخلت بيتك جاءت توا ووضعت نفسها عند قدمي اللتين غسلتهما بدموعها ودهنتهما بالطيب، لذلك أقول لك الحق أنه قد غفرت لها خطايا كثيرة لأنها أحبت كثيرا، ثم التفت الى المرأة وقال: اذهبي في طريقك لأن الرب إلهنا قد غفر خطاياك، ولكن أنظري أن لا تخطئي فيما بعد، ايمانك خلصك.
الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة
وبعد صلاة الليل اقترب التلاميذ من يسوع وقالوا: يا معلم ماذا يجب أن نفعل لكي نتخلص من الكبرياء، فأجاب يسوع: هل رأيتم فقيرا مدعوا الى بيت عظيم ليأكل خبزا؟، أجاب يوحنا: اني أكلت خبزا في بيت هيرودس، لاني قبل أن عرفتك كنت أذهب لصيد السمك وأبيعه لبيت هيرودس، فجئتهم يوما الى هناك وهو في وليمة بسمكة نفيسة فأمرني بأن أبقى وآكل هناك، فقال حينئذ يسوع: كيف أكلت خبزا مع الكفار؟ ليغفر لك الله يا يوحنا، ولكن قل لي كيف تصرفت على المائدة؟، أطلبت أن يكون لك المحل الأرفع، أطلبت أشهى الطعام؟، أتكلمت على المائدة وأنت لم تسأل؟ أحسبت نفسك أكثر أهلية للجلوس الى المائدة من الآخرين؟، أجاب يوحنا لعمر الله اني لم أجسر أن أرفع عيني لأني صياد سمك فقير ومرتد ثيابا رثة جالس مع حاشية الملك، فكنت متى ناولني الملك قطعة صغيرة أخال العالم هبط على رأسي لعظم المنة التي أحسن بها الملك الي، والحق أقول أنه لو كان الملك من شريعتنا لخدمته طول ايام حياتي فأجاب يسوع: صه يا يوحنا لأني أخشى أن يطرحنا الله في الهاوية لكبريائنا كأبيرام، فارتعد التلاميذ خوفا من كلام يسوع فعاد وقال: لنخش الله لكي لا يطرحنا في الهاوية لكبريائنا، أسمعتم أيها الاخوة من يوحنا ما صنع في بيت أمير، ويل للبشر الذين أتوا الى العالم لانهم كما يعيشون في الكبرياء سيموتون في المهانة وسيذهبون الى الاضطراب، فان هذا العالم بيت يولم الله فيه للبشر حيث أكل كل الاطهار وأنبياء الله، والحق أقول لكم أن كل ما ينال الانسان إنما يناله من الله ، لذلك يجب على الإنسان أن يتصرف بأعظم ضعة عارفا حقارته وعظمة الله مع كرمه العظيم الذي يغذينا به، لذلك لا يجوز للمرء أن يقول: لماذا فعل هذا أو قيل هذا في العالم؟ بل يجب عليه أن يحسن نفسه كما هو في الحقيقة غير أهل أن يقف في العالم على مائدة الله، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أنه مهما كان الشيء الذي يناله الانسان من الله في العالم صغيرا فانه يجب عليه في مقابلته أن يصرف حياته حبا في الله، لعمر الله انك لم تخطئ يا يوحنا لأنك واكلت هيرودس فانك فعلت ذلك بتدبير الله لتكون معلمنا نحن وكل من يخشى الله ثم قال يسوع لتلاميذه: هكذا افعلوا لتعيشوا في العالم كما عاش يوحنا في بيت هيرودس عندما أكل خبزا معه، لأنكم هكذا تكونون بالحق خالين من كل كبرياء.
الفصل الثاني والثلاثون بعد المئة
ولما كان يسوع ماشيا على شاطئ بحر الجليل أحاط به جمهور غفير من الناس فركب سفينة صغيرة منفردة كانت على بعد قليل من الشاطئ فرست على مقربة من البر بحيث يمكن سماع صوت يسوع، فاقتربوا جميعا من البحر وجلسوا ينتظرون كلمته ففتح حينئذ فاه وقال: هاهو ذا قد خرج الزارع ليزرع، فبينما كان يزرع سقط بعض البذور على الطريق فداسته أقدام الناس وأكلته الطيور، وسقط بعض على الحجارة فلما نبت احرقته الشمس اذ لم يكن فيه رطوبة، وسقط بعض على السياج فلما طلع الشوك خنق البذور، وسقط بعض على الارض الجيدة فأثمر ثلاثين وستين ومئة ضعف، وقال يسوع أيضا: هاهو ذا أب أسرة زرع بذورا جيدة في حقله، وبينا خدم الرجل الصالح نيام جاء عدو الرجل سيدهم وزرع زوانا فوق البذور الجيدة، فلما نبتت الحنطة رؤي كثير من الزوان نابتا بينها، فجاء الخدم الى سيدهم وقالوا: يا سيد ألم نزرع بذورا جيدة في حقلك؟ فمن أين اذا طلع فيه مقدار وافر من الزوان؟، أجاب السيد: اني زرعت بذورا جيدة ولكن بينا الناس نيام جاء عدو الانسان وزرع زوانا فوق الحنطة، فقال الخدم: أتريد أن نذهب ونقتلع الزوان من بين الحنطة ؟ ، أجاب السيد: لا تفعلوا هكذا لأنكم تقلعون الحنطة معه، ولكن تمهلوا حتى يأتي زمن الحصاد وحينئذ تذهبون وتقتلعون الزوان من بين الحنطة وتطرحونه في النار ليحرق وأما الحنطة فتضعونها في مخزني، وقال يسوع أيضا: خرج أناس كثيرون ليبيعوا تينا فلما بلغوا السوق اذا بالناس لا يطلبون تينا جيدا بل ورقا جميلا، فلم يتمكن القوم من بيع تينهم، فلما رأى ذلك أحد الاهالي الاشرار قال اني لقادر على أن أصير غنيا، فدعا ابنيه(وقال) : ((اذهبا الى واجمعا مقدارا كبيرا من الورق مع تين ردئ)) ، فباعوها بزنتها ذهبا لأن الناس سروا كثيرا بالورق، فلما أكل الناس التين مرضوا مرضا خطيرا، وقال أيضا يسوع: ها هوذا ينبوع لأحد الاهالي يأخذ منه الجيران ماء ليزيلوا به وسخهم، ولكن صاحب الماء يترك ثيابه تنتن، وقال يسوع أيضا: ذهب رجلان ليبيعا تفاحا فأراد احدهما أن يبيع قشر التفاح بزنته ذهبا غير مبال بجوهر التفاح، أما الآخر فأحب أن يهب التفاح ويأخذ قليلا من الخبز لسفره فقط، ولكن الناس اشتروا قشر التفاح بزنته ذهبا ولم يبالوا بالذي أحب أن يهبهم بل احتقروه، وهكذا كلم يسوع الجمع في ذلك اليوم بالامثال، وبعد ان صرفهم ذهب مع تلاميذه الى نايين حيث أقام ابن الارملة الذي قبله وامه الى بيته وخدمه.
الفصل الثالث والثلاثون بعد المئة
فاقترب تلاميذ يسوع منه وسألوه قائلين: يا معلم قل لنا معنى الامثال التي كلمت بها الشعب، أجاب يسوع: اقتربت ساعة الصلاة فمتى انتهت صلاة المساء افيدكم معنى الامثال، فلما انتهت الصلاة اقترب التلاميذ من يسوع فقال لهم: ان الرجل الذي يزرع البذور على الطريق أو على الحجارة أو على الشوك أو على الارض الجيدة هو من يعلم كلمة الله التي تسقط على عدد غفير من الناس، تقع على الطريق متى جاءت الى اذان البحارة والتجار الذين أزال الشيطان كلمة الله من ذاكرتهم بسبب الاسفار الشاسعة التي يزمعونها وتعدد الامم التي يتجرون معها، وتقع على الحجارة متى جاءت الى اذان رجال البلاط لأنه بسبب شغفهم بخدمة شخص حاكم لا تنفذ اليهم كلمة الله، على انهم وان كان لهم شيء من تذكرها فحالما تصيبهم شدة تخرج كلمة الله من ذاكرتهم، لأنهم وهم لم يخدموا الله لا يقدرون أن يرجوا معونة من الله، وتقع على الشوك متى جاءت الى اذان الذين يحبون حياتهم، لأنهم وان نمت كلمة الله فيهم اذا نمت الاهواء الجسدية خنقت البذور الجيدة من كلمة الله، لأن رغد العيش الجسدي يبعث على هجران كلمة الله، أما التي تقع على الارض الجيدة فهو ما جاء من كلمة الله الى اذني من يخاف الله حيث تثمر ثمر الحياة الابدية، الحق أقول لكم ان كلمة الله تثمر في كل حال متى خاف الانسان الله، أما ما يختص بأبي الاسرة فالحق أقول لكم انه الله ربنا أب كل الأشياء لأنه خلق الأشياء كلها، ولكنه ليس أباً على طريقة الطبيعة لأنه غير قادر على الحركة التي لا يمكن التناسل بدونها، فهو إذا إلهنا الذي يخصه هذا العالم، والحقل الذي يزرع فيه هو الجنس البشري، والبذار هو كلمة الله، فمتى أهمل المعلمون التبشير بكلمة الله لانشغالهم بتشاغل العالم زرع الشيطان ضلالا في قلب البشر ينشأ عنه شفيع لا تحصى من التعليم الشرى، فيصرخ الاطهار والأنبياء: (( يا سيد ألم تعط تعليما صالحا للبشر فمن أين اذا الاضاليل الكثيرة؟))، فيجيب الله: (( اني أعطيت البشر تعليما صالحا ولكن بينما كان البشر منقطعين الى الباطل زرع الشيطان ضلالا يبطل شريعتي، فيقول الاطهار: (( يا سيد اننا نبدد هذه الاضاليل باهلاك البشر)) ، فيجيب الله: (( لا تفعلوا هذا لان المؤمنين يهلكون مع الكافرين، ولكن تمهلوا الى الدينونة، لأنه في ذلك الوقت ستجمع ملائكتي الكفار فيقعون مع الشيطان في الجحيم والمؤمنون يأتون الى مملكتي))، ومما لا ريب فيه أن كثيرين من الاباء الكفار يلدون ابناء مؤمنين لأجلهم امهل الله العالم ليتوب.
الفصل الرابع والثلاثون بعد المئة
أما الذين يثمرون تينا حسنا فهم المعلمون الحقيقيون الذين يبشرون بالتعليم الصالح، ولكن العالم الذي يسر بالكذب يطلب من المعلمين أوراقا من الكلام والمداهنة المزوقين، فمتى رأى الشيطان ذلك اضاف نفسه مع الجسد والحس وأتى بمقدار وافر من الاوراق أي مقدار من الاشياء الارضية التي يعطي بها الخطيئة، فمتى أخذها الانسان اعتل وأمسى على وشك الموت الأبدي، أما أحد الاهالي الذي عنده ماء ويعطي ماءه للآخرين ليغسلوا وسخهم ويترك ثيابه تنتن فهو المعلم الذي يبشر الاخرين بالتوبة أما هو نفسه فيلبث في الخطيئة، ما أتعس هذا الانسان لأن لسانه نفسه يخط في الهواء القصاص الذي هو أهل له لا الملائكة، لو كان لأحد لسان فيل وكان سائر جسده صغيرا بقدر نملة أفلا يكون هذا الشيء من خوارق الطبيعة؟، بلى البتة، فالحق أقول لكم أن من يبشر الآخرين بالتوبة ولا يتوب هو عن خطاياه لأشد غرابة من ذاك، أما الرجلان بائعا التفاح فأحدهما من يبشر لأجل محبة الله، فهو لذلك لا يداهن أحدا بل يبشر بالحق طالبا معيشة فقير فقط، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان العالم لا يقبل رجلا كهذا بل هو حري بأن يحتقره، ولكن من يبيع القشر بزنته ذهبا ( ويهب التفاحة ) فإنما هو من يبشر ليرضى الناس، وهكذا متى داهن العالم أتلف النفس التي تتبع مداهنته، آه كم وكم من اناس هلكوا لهذا السبب؟، حينئذ أجاب الكاتب وقال: كيف يجب على الانسان أن يصغي الى كلمة الله وكيف يمكن لأحد أن يعرف الذي يبشر لأجل محبة الله؟، أجاب يسوع: انه يجب أن يصغي الى من يبشر متى بشر بتعليم صالح كان المتكلم هو الله لكنه يتكلم بفمه، ولكن من يترك التوبيخ على الخطايا محابيا بالوجوه ومداهنا اناس خصوصيين فيجب تجنبه كأفعى مخوفة لأنه بالحقيقة يسم القلب البشري، أتفهمون؟، الحق أقول لكم انه كما لا حاجة بالجريح الى عصائب جميلة لعصب جراحه بل يحتاج بالحري الى مرهم جيد هكذا لا حاجة بالخاطئ الى كلام مزوق بل بالحرى الى توبيخات صالحة لكي ينقطع عن الخطيئة.
الفصل الخامس والثلاثون بعد المئة
فقال حينئذ بطرس:يا معلم قل لنا كيف يعذب الهالكون وكم يبقون في الجحيم لكي يهرب الانسان من الخطيئة؟، أجاب يسوع: يا بطرس قد سألت عن شيء عظيم ومع ذلك فاني ان شاء الله مجيبك، فاعلموا اذا ان الجحيم هي واحدة ومع ذلك فان له سبع دركات الواحدة منها دون الاخرى، فكما ان للخطيئة سبعة أنواع اذ أنشأها الشيطان نظير سبعة أبواب للجحيم كذلك يوجد فيها سبعة أنواع من العذاب، لأن المتكبر أي الأشد ترفعا في قلبه سيزج في أسفل دركة مارا في سائر الدركات التي فوقه ومكابدا فيها جميع الآلام الموجودة فيها، وكما انه يطلب هنا أن يكون اعظم من الله لأنه يريد أن يفعل ما يعن له مما يخالف ما أمر به الله ولا يعترف بأن أحدا فوقه فهكذا يوضع تحت أقدام الشيطان وشياطينه، فيدوسونه كما يداس العنب عند صنع الخمر وسيكون اضحوكة وسخرية للشياطين، والحسود الذي يحتدم غيظا لفلاح قريبه ويتهلل لبلاياه يهبط الى الدركة السادسة، وهناك تنهشه أنياب عدد غفير من أفاعي الجحيم، ويخيل له ان كل الاشياء في الجحيم تبتهج لعذابه وتتأسف لأنه لم يهبط الى الدركة السابعة، فلذلك فان عدل الله يخيل للحسود التعيس ذلك على اعواز الملعونين الفرح كما يخيل للمرء في حلم ان شخصا يرفسه فيتعذب، تلك هي الغاية التي أمام الحسود التعيس، ويخيل اليه حيث لا مسرة على الاطلاق ان كل أحد يبتهج لبليته ويتأسف ان التنكيل به لم يكن أشد، أما الطماع فيهبط الى الدركة الخامسة حيث يلم به فقر مدقع كما ألمّ بصاحب الولائم الغني، وسيقدم له الشياطين زيادة في عذابه ما يشتهي، فاذا صار في يديه اختطفته شياطين اخرى بعنف ناطقين بهذه الكلمات: (اذكر أنك لم تحب أن تعطي لمحبة الله ولذلك فلا يريد الله أن تنال) ، ما أتعسه من انسان، فانه سيرى نفسه في تلك الحال فيذكر سعة العيش الماضي ويشاهد فاقة الحاضر، وانه بالخيرات التي لا يقدر على الحصول عليها حينئذ كان يمكنه ان ينال النعيم الأبدي!، أما الدركة الرابعة فيهبط اليها الشهوانيون حيث يكون الذين قد غيروا الطريق التي أعطاهم الله كحنطة مطبوخة في براز الشيطان المحترق، وهناك تعانقهم الافاعي الجهنمية، وأما الذين كانوا قد زنوا بالبغايا فستتحول كل أعمال هذه النجاسة فيهم الى غشيان جنيات الجحيم اللواتي هن شياطين بصور نساء شعورهن من أفاع وأعينهن كبريت ملتهب وفمهن سام ولسانهن علقم وجسدهن محاط بشصوص مريشة بسنان شبيهة بالتي تصاد بها الاسماك الحمقاء ومخالبهن كمخالب العقبان وأظافرهن أمواس وطبيعة أعضائهن التناسلية نار، فمع هؤلاء يتمتع الشهوانيون على جمر الجحيم الذي سيكون سريرا لهم، ويهبط الى الدركة الثالثة الكسلان الذي لا يشتغل الآن، هنا تشاد مدن وصروح فخمة، ولا تكاد تنجز حتى تهدم توا لأنه ليس فيها حجر موضوع في محله، فتوضع هذه الحجارة الضخمة على كتفي الكسلان الذي لا يكون مطلق اليدين فيبرد جسده وهو ماش ويخفف الحمل، لأن الكسل قد أزال قوة ذراعيه، وساقاه مكبلتان بأفاعي الجحيم، وأنكى من ذلك ان وراءه الشياطين تدفعه وترمي به الارض مرات متعددة وهو تحت العبء، ولا يساعده أحد في رفعه، بل لما كان أثقل من أن يرفع يوضع عليه مقدار مضاعف، ويهبط الى الدركة الثانية النهم، فيكون هناك قحط الى حد ان لا يوجد شيء يؤكل سوى العقارب الحية والافاعي الحية التي تعذب عذابا أليما حتى انهم لو لم يولدوا لكان خيرا لهم من أن يأكلوا مثل هذا الطعام، وستقدم لهم الشياطين بحسب الظاهر أطعمة شهية، ولكن لما كانت أيديهم وأرجلهم مغلولة بأغلال من نار لا يقدرون أن يمدوا يدا اذا بدا لهم الطعام، وأنكى من ذلك أنه لما كانت هذه العقارب نفسها التي يأكلها لتلتهم بطنه غير قادرة على الخروج سريعا فانها تمزق سوءة النهم، ومتى خرجت نجسة وقذرة على ما هي عليه تؤكل مرة اخرى، ويهبط المستشيط غضبا الى الدركة الاولى حيث يمتهنه كل الشياطين وسائر الملعونين الذين هم أسفل منه مكانا، فيرفسونه ويضربونه ويضجعونه على الطريق التي يمرون عليها واضعين أقدامهم على عنقه، ومع هذا فهو غير قادر على المدافعة عن نفسه لان يديه ورجليه مربوطة، وأنكى من ذلك انه غير قادر على اظهار غيظه باهانة الآخرين لأن لسانه مربوط بشص شبيه بما يستعمله بائع اللحوم، ففي هذا المكان الملعون يكون عقاب عام يشمل كل الدركات كمزيج من حبوب عديدة يصنع منه رغيف، لأنه ستتحد بعدل الله النار والجمد والصواعق والبرق والكبريت والحرارة والبرد والريح والجنون والهلع على طريقة لا يخفف فيها البرد الحرارة ولا النار الجليد بل يعذب كل منها الخاطئ التعيس تعذيبا.
أتفتخر الفأس مثلا لأنها قطعت حرجة حيث صنع انسان بستانا؟، لا البتة لان الانسان صنع كل شيء بيديه حتى الفأس، وانت أيها الانسان أتفتخر أنك فعلت شيئا حسنا وأنت قد خلقك إلهنا من طين ويعمل فيك كل ما تأتيه من صلاح، ولماذا تحتقر قريبك؟، ألا تعلم أنه لولا حفظ الله اياك من الشيطان لكنت شرا من الشيطان؟، ألا تعلم أن خطيئة واحدة مسخت أجمل ملاك شر شيطان مكروه؟، وانها حولت أكمل انسان جاء الى العالم وهو آدم مخلوقا شقيا وجعلته عرضة لما نكابد نحن وسائر ذريته؟، فأي اذن لك يخولك حق المعيشة بحسب هواك دون أدنى خوف، ويل لك أيتها الطينة لانك بتغطرسك على الله الذي خلقك ستحتقرين تحت قدمي الشيطان الذي هو واقف لك بالمرصاد، وبعد أن قال يسوع هذا وصلى رافعا يديه الى الرب، وقال الشعب: (( ليكن كذلك ليكن كذلك))، ولما أكمل صلاته نزل من الدكة، فأحضروا اليه جمهورا كثيرا من مرضى فابرأهم وانصرف من الهيكل، فدعا يسوع ليأكل خبزا سمعان الذي كان أبرص فشفاه يسوع، أما الكهنة والكتبة الذين كانوا يبغضون يسوع فأخبروا الجنود الرومانية بما قاله يسوع في آلهتهم، لأن الحقيقة هي أنهم كانوا يلتمسون فرصة ليقتلوه فلم يجدوها لانهم خافوا الشعب، ولما دخل يسوع بيت سمعان جلس الى المائدة، وبينما كان يأكل اذا بامرأة اسمها مريم وهي مومسة دخلت البيت وطرحت نفسها على الارض وراء قدمي يسوع وغسلتهما بدموعها ودهنتهما بالطيب ومسحتهما بشعر رأسها، فخجل سمعان وكل الذين كانوا على الطعام، وقالوا في قلوبهم: ((لو كان هذا الرجل نبيا لعرف من هذه المرأة ومن أي طبقة هي ولما سمح لها أن تمسه ))، فقال حينئذ يسوع: يا سمعان ان عندي شيئا أقوله لك، أجاب سمعان: تكلم يا معلم لاني أحب كلمتك.
الفصل الثلاثون بعد المئة
قال يسوع: كان لرجل مدينان أحدهما مدين لدائنه بخمسين فلسا والآخر بخمس مئة، فلما لم يكن عند أحد منهما ما يدفعه تحنن الدائن وعفا عن دين كليهما، فأيهما يحب دائنه أكثر؟ أجاب سمعان: صاحب الدين الأكبر الذي عفا عنه، فقال يسوع: لقد قلت صوابا، اني أقول لك اذا انظر هذه المرأة ونفسك، لانكما كنتما كلاكما مدينين لله أحدكما ببرص الجسم والآخر ببرص النفس الذي هو الخطيئة، فتحنن الله ربنا بسبب صلواتي وأراد شفاء جسدك ونفسها، فأنت اذا تحبني قليلا لأنك نلت هبة صغيرة، وهكذا لما دخلت بيتك لم تقبلني ولم تدهن رأسي، أما هذه المرأة فلما دخلت بيتك جاءت توا ووضعت نفسها عند قدمي اللتين غسلتهما بدموعها ودهنتهما بالطيب، لذلك أقول لك الحق أنه قد غفرت لها خطايا كثيرة لأنها أحبت كثيرا، ثم التفت الى المرأة وقال: اذهبي في طريقك لأن الرب إلهنا قد غفر خطاياك، ولكن أنظري أن لا تخطئي فيما بعد، ايمانك خلصك.
الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة
وبعد صلاة الليل اقترب التلاميذ من يسوع وقالوا: يا معلم ماذا يجب أن نفعل لكي نتخلص من الكبرياء، فأجاب يسوع: هل رأيتم فقيرا مدعوا الى بيت عظيم ليأكل خبزا؟، أجاب يوحنا: اني أكلت خبزا في بيت هيرودس، لاني قبل أن عرفتك كنت أذهب لصيد السمك وأبيعه لبيت هيرودس، فجئتهم يوما الى هناك وهو في وليمة بسمكة نفيسة فأمرني بأن أبقى وآكل هناك، فقال حينئذ يسوع: كيف أكلت خبزا مع الكفار؟ ليغفر لك الله يا يوحنا، ولكن قل لي كيف تصرفت على المائدة؟، أطلبت أن يكون لك المحل الأرفع، أطلبت أشهى الطعام؟، أتكلمت على المائدة وأنت لم تسأل؟ أحسبت نفسك أكثر أهلية للجلوس الى المائدة من الآخرين؟، أجاب يوحنا لعمر الله اني لم أجسر أن أرفع عيني لأني صياد سمك فقير ومرتد ثيابا رثة جالس مع حاشية الملك، فكنت متى ناولني الملك قطعة صغيرة أخال العالم هبط على رأسي لعظم المنة التي أحسن بها الملك الي، والحق أقول أنه لو كان الملك من شريعتنا لخدمته طول ايام حياتي فأجاب يسوع: صه يا يوحنا لأني أخشى أن يطرحنا الله في الهاوية لكبريائنا كأبيرام، فارتعد التلاميذ خوفا من كلام يسوع فعاد وقال: لنخش الله لكي لا يطرحنا في الهاوية لكبريائنا، أسمعتم أيها الاخوة من يوحنا ما صنع في بيت أمير، ويل للبشر الذين أتوا الى العالم لانهم كما يعيشون في الكبرياء سيموتون في المهانة وسيذهبون الى الاضطراب، فان هذا العالم بيت يولم الله فيه للبشر حيث أكل كل الاطهار وأنبياء الله، والحق أقول لكم أن كل ما ينال الانسان إنما يناله من الله ، لذلك يجب على الإنسان أن يتصرف بأعظم ضعة عارفا حقارته وعظمة الله مع كرمه العظيم الذي يغذينا به، لذلك لا يجوز للمرء أن يقول: لماذا فعل هذا أو قيل هذا في العالم؟ بل يجب عليه أن يحسن نفسه كما هو في الحقيقة غير أهل أن يقف في العالم على مائدة الله، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أنه مهما كان الشيء الذي يناله الانسان من الله في العالم صغيرا فانه يجب عليه في مقابلته أن يصرف حياته حبا في الله، لعمر الله انك لم تخطئ يا يوحنا لأنك واكلت هيرودس فانك فعلت ذلك بتدبير الله لتكون معلمنا نحن وكل من يخشى الله ثم قال يسوع لتلاميذه: هكذا افعلوا لتعيشوا في العالم كما عاش يوحنا في بيت هيرودس عندما أكل خبزا معه، لأنكم هكذا تكونون بالحق خالين من كل كبرياء.
الفصل الثاني والثلاثون بعد المئة
ولما كان يسوع ماشيا على شاطئ بحر الجليل أحاط به جمهور غفير من الناس فركب سفينة صغيرة منفردة كانت على بعد قليل من الشاطئ فرست على مقربة من البر بحيث يمكن سماع صوت يسوع، فاقتربوا جميعا من البحر وجلسوا ينتظرون كلمته ففتح حينئذ فاه وقال: هاهو ذا قد خرج الزارع ليزرع، فبينما كان يزرع سقط بعض البذور على الطريق فداسته أقدام الناس وأكلته الطيور، وسقط بعض على الحجارة فلما نبت احرقته الشمس اذ لم يكن فيه رطوبة، وسقط بعض على السياج فلما طلع الشوك خنق البذور، وسقط بعض على الارض الجيدة فأثمر ثلاثين وستين ومئة ضعف، وقال يسوع أيضا: هاهو ذا أب أسرة زرع بذورا جيدة في حقله، وبينا خدم الرجل الصالح نيام جاء عدو الرجل سيدهم وزرع زوانا فوق البذور الجيدة، فلما نبتت الحنطة رؤي كثير من الزوان نابتا بينها، فجاء الخدم الى سيدهم وقالوا: يا سيد ألم نزرع بذورا جيدة في حقلك؟ فمن أين اذا طلع فيه مقدار وافر من الزوان؟، أجاب السيد: اني زرعت بذورا جيدة ولكن بينا الناس نيام جاء عدو الانسان وزرع زوانا فوق الحنطة، فقال الخدم: أتريد أن نذهب ونقتلع الزوان من بين الحنطة ؟ ، أجاب السيد: لا تفعلوا هكذا لأنكم تقلعون الحنطة معه، ولكن تمهلوا حتى يأتي زمن الحصاد وحينئذ تذهبون وتقتلعون الزوان من بين الحنطة وتطرحونه في النار ليحرق وأما الحنطة فتضعونها في مخزني، وقال يسوع أيضا: خرج أناس كثيرون ليبيعوا تينا فلما بلغوا السوق اذا بالناس لا يطلبون تينا جيدا بل ورقا جميلا، فلم يتمكن القوم من بيع تينهم، فلما رأى ذلك أحد الاهالي الاشرار قال اني لقادر على أن أصير غنيا، فدعا ابنيه(وقال) : ((اذهبا الى واجمعا مقدارا كبيرا من الورق مع تين ردئ)) ، فباعوها بزنتها ذهبا لأن الناس سروا كثيرا بالورق، فلما أكل الناس التين مرضوا مرضا خطيرا، وقال أيضا يسوع: ها هوذا ينبوع لأحد الاهالي يأخذ منه الجيران ماء ليزيلوا به وسخهم، ولكن صاحب الماء يترك ثيابه تنتن، وقال يسوع أيضا: ذهب رجلان ليبيعا تفاحا فأراد احدهما أن يبيع قشر التفاح بزنته ذهبا غير مبال بجوهر التفاح، أما الآخر فأحب أن يهب التفاح ويأخذ قليلا من الخبز لسفره فقط، ولكن الناس اشتروا قشر التفاح بزنته ذهبا ولم يبالوا بالذي أحب أن يهبهم بل احتقروه، وهكذا كلم يسوع الجمع في ذلك اليوم بالامثال، وبعد ان صرفهم ذهب مع تلاميذه الى نايين حيث أقام ابن الارملة الذي قبله وامه الى بيته وخدمه.
الفصل الثالث والثلاثون بعد المئة
فاقترب تلاميذ يسوع منه وسألوه قائلين: يا معلم قل لنا معنى الامثال التي كلمت بها الشعب، أجاب يسوع: اقتربت ساعة الصلاة فمتى انتهت صلاة المساء افيدكم معنى الامثال، فلما انتهت الصلاة اقترب التلاميذ من يسوع فقال لهم: ان الرجل الذي يزرع البذور على الطريق أو على الحجارة أو على الشوك أو على الارض الجيدة هو من يعلم كلمة الله التي تسقط على عدد غفير من الناس، تقع على الطريق متى جاءت الى اذان البحارة والتجار الذين أزال الشيطان كلمة الله من ذاكرتهم بسبب الاسفار الشاسعة التي يزمعونها وتعدد الامم التي يتجرون معها، وتقع على الحجارة متى جاءت الى اذان رجال البلاط لأنه بسبب شغفهم بخدمة شخص حاكم لا تنفذ اليهم كلمة الله، على انهم وان كان لهم شيء من تذكرها فحالما تصيبهم شدة تخرج كلمة الله من ذاكرتهم، لأنهم وهم لم يخدموا الله لا يقدرون أن يرجوا معونة من الله، وتقع على الشوك متى جاءت الى اذان الذين يحبون حياتهم، لأنهم وان نمت كلمة الله فيهم اذا نمت الاهواء الجسدية خنقت البذور الجيدة من كلمة الله، لأن رغد العيش الجسدي يبعث على هجران كلمة الله، أما التي تقع على الارض الجيدة فهو ما جاء من كلمة الله الى اذني من يخاف الله حيث تثمر ثمر الحياة الابدية، الحق أقول لكم ان كلمة الله تثمر في كل حال متى خاف الانسان الله، أما ما يختص بأبي الاسرة فالحق أقول لكم انه الله ربنا أب كل الأشياء لأنه خلق الأشياء كلها، ولكنه ليس أباً على طريقة الطبيعة لأنه غير قادر على الحركة التي لا يمكن التناسل بدونها، فهو إذا إلهنا الذي يخصه هذا العالم، والحقل الذي يزرع فيه هو الجنس البشري، والبذار هو كلمة الله، فمتى أهمل المعلمون التبشير بكلمة الله لانشغالهم بتشاغل العالم زرع الشيطان ضلالا في قلب البشر ينشأ عنه شفيع لا تحصى من التعليم الشرى، فيصرخ الاطهار والأنبياء: (( يا سيد ألم تعط تعليما صالحا للبشر فمن أين اذا الاضاليل الكثيرة؟))، فيجيب الله: (( اني أعطيت البشر تعليما صالحا ولكن بينما كان البشر منقطعين الى الباطل زرع الشيطان ضلالا يبطل شريعتي، فيقول الاطهار: (( يا سيد اننا نبدد هذه الاضاليل باهلاك البشر)) ، فيجيب الله: (( لا تفعلوا هذا لان المؤمنين يهلكون مع الكافرين، ولكن تمهلوا الى الدينونة، لأنه في ذلك الوقت ستجمع ملائكتي الكفار فيقعون مع الشيطان في الجحيم والمؤمنون يأتون الى مملكتي))، ومما لا ريب فيه أن كثيرين من الاباء الكفار يلدون ابناء مؤمنين لأجلهم امهل الله العالم ليتوب.
الفصل الرابع والثلاثون بعد المئة
أما الذين يثمرون تينا حسنا فهم المعلمون الحقيقيون الذين يبشرون بالتعليم الصالح، ولكن العالم الذي يسر بالكذب يطلب من المعلمين أوراقا من الكلام والمداهنة المزوقين، فمتى رأى الشيطان ذلك اضاف نفسه مع الجسد والحس وأتى بمقدار وافر من الاوراق أي مقدار من الاشياء الارضية التي يعطي بها الخطيئة، فمتى أخذها الانسان اعتل وأمسى على وشك الموت الأبدي، أما أحد الاهالي الذي عنده ماء ويعطي ماءه للآخرين ليغسلوا وسخهم ويترك ثيابه تنتن فهو المعلم الذي يبشر الاخرين بالتوبة أما هو نفسه فيلبث في الخطيئة، ما أتعس هذا الانسان لأن لسانه نفسه يخط في الهواء القصاص الذي هو أهل له لا الملائكة، لو كان لأحد لسان فيل وكان سائر جسده صغيرا بقدر نملة أفلا يكون هذا الشيء من خوارق الطبيعة؟، بلى البتة، فالحق أقول لكم أن من يبشر الآخرين بالتوبة ولا يتوب هو عن خطاياه لأشد غرابة من ذاك، أما الرجلان بائعا التفاح فأحدهما من يبشر لأجل محبة الله، فهو لذلك لا يداهن أحدا بل يبشر بالحق طالبا معيشة فقير فقط، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان العالم لا يقبل رجلا كهذا بل هو حري بأن يحتقره، ولكن من يبيع القشر بزنته ذهبا ( ويهب التفاحة ) فإنما هو من يبشر ليرضى الناس، وهكذا متى داهن العالم أتلف النفس التي تتبع مداهنته، آه كم وكم من اناس هلكوا لهذا السبب؟، حينئذ أجاب الكاتب وقال: كيف يجب على الانسان أن يصغي الى كلمة الله وكيف يمكن لأحد أن يعرف الذي يبشر لأجل محبة الله؟، أجاب يسوع: انه يجب أن يصغي الى من يبشر متى بشر بتعليم صالح كان المتكلم هو الله لكنه يتكلم بفمه، ولكن من يترك التوبيخ على الخطايا محابيا بالوجوه ومداهنا اناس خصوصيين فيجب تجنبه كأفعى مخوفة لأنه بالحقيقة يسم القلب البشري، أتفهمون؟، الحق أقول لكم انه كما لا حاجة بالجريح الى عصائب جميلة لعصب جراحه بل يحتاج بالحري الى مرهم جيد هكذا لا حاجة بالخاطئ الى كلام مزوق بل بالحرى الى توبيخات صالحة لكي ينقطع عن الخطيئة.
الفصل الخامس والثلاثون بعد المئة
فقال حينئذ بطرس:يا معلم قل لنا كيف يعذب الهالكون وكم يبقون في الجحيم لكي يهرب الانسان من الخطيئة؟، أجاب يسوع: يا بطرس قد سألت عن شيء عظيم ومع ذلك فاني ان شاء الله مجيبك، فاعلموا اذا ان الجحيم هي واحدة ومع ذلك فان له سبع دركات الواحدة منها دون الاخرى، فكما ان للخطيئة سبعة أنواع اذ أنشأها الشيطان نظير سبعة أبواب للجحيم كذلك يوجد فيها سبعة أنواع من العذاب، لأن المتكبر أي الأشد ترفعا في قلبه سيزج في أسفل دركة مارا في سائر الدركات التي فوقه ومكابدا فيها جميع الآلام الموجودة فيها، وكما انه يطلب هنا أن يكون اعظم من الله لأنه يريد أن يفعل ما يعن له مما يخالف ما أمر به الله ولا يعترف بأن أحدا فوقه فهكذا يوضع تحت أقدام الشيطان وشياطينه، فيدوسونه كما يداس العنب عند صنع الخمر وسيكون اضحوكة وسخرية للشياطين، والحسود الذي يحتدم غيظا لفلاح قريبه ويتهلل لبلاياه يهبط الى الدركة السادسة، وهناك تنهشه أنياب عدد غفير من أفاعي الجحيم، ويخيل له ان كل الاشياء في الجحيم تبتهج لعذابه وتتأسف لأنه لم يهبط الى الدركة السابعة، فلذلك فان عدل الله يخيل للحسود التعيس ذلك على اعواز الملعونين الفرح كما يخيل للمرء في حلم ان شخصا يرفسه فيتعذب، تلك هي الغاية التي أمام الحسود التعيس، ويخيل اليه حيث لا مسرة على الاطلاق ان كل أحد يبتهج لبليته ويتأسف ان التنكيل به لم يكن أشد، أما الطماع فيهبط الى الدركة الخامسة حيث يلم به فقر مدقع كما ألمّ بصاحب الولائم الغني، وسيقدم له الشياطين زيادة في عذابه ما يشتهي، فاذا صار في يديه اختطفته شياطين اخرى بعنف ناطقين بهذه الكلمات: (اذكر أنك لم تحب أن تعطي لمحبة الله ولذلك فلا يريد الله أن تنال) ، ما أتعسه من انسان، فانه سيرى نفسه في تلك الحال فيذكر سعة العيش الماضي ويشاهد فاقة الحاضر، وانه بالخيرات التي لا يقدر على الحصول عليها حينئذ كان يمكنه ان ينال النعيم الأبدي!، أما الدركة الرابعة فيهبط اليها الشهوانيون حيث يكون الذين قد غيروا الطريق التي أعطاهم الله كحنطة مطبوخة في براز الشيطان المحترق، وهناك تعانقهم الافاعي الجهنمية، وأما الذين كانوا قد زنوا بالبغايا فستتحول كل أعمال هذه النجاسة فيهم الى غشيان جنيات الجحيم اللواتي هن شياطين بصور نساء شعورهن من أفاع وأعينهن كبريت ملتهب وفمهن سام ولسانهن علقم وجسدهن محاط بشصوص مريشة بسنان شبيهة بالتي تصاد بها الاسماك الحمقاء ومخالبهن كمخالب العقبان وأظافرهن أمواس وطبيعة أعضائهن التناسلية نار، فمع هؤلاء يتمتع الشهوانيون على جمر الجحيم الذي سيكون سريرا لهم، ويهبط الى الدركة الثالثة الكسلان الذي لا يشتغل الآن، هنا تشاد مدن وصروح فخمة، ولا تكاد تنجز حتى تهدم توا لأنه ليس فيها حجر موضوع في محله، فتوضع هذه الحجارة الضخمة على كتفي الكسلان الذي لا يكون مطلق اليدين فيبرد جسده وهو ماش ويخفف الحمل، لأن الكسل قد أزال قوة ذراعيه، وساقاه مكبلتان بأفاعي الجحيم، وأنكى من ذلك ان وراءه الشياطين تدفعه وترمي به الارض مرات متعددة وهو تحت العبء، ولا يساعده أحد في رفعه، بل لما كان أثقل من أن يرفع يوضع عليه مقدار مضاعف، ويهبط الى الدركة الثانية النهم، فيكون هناك قحط الى حد ان لا يوجد شيء يؤكل سوى العقارب الحية والافاعي الحية التي تعذب عذابا أليما حتى انهم لو لم يولدوا لكان خيرا لهم من أن يأكلوا مثل هذا الطعام، وستقدم لهم الشياطين بحسب الظاهر أطعمة شهية، ولكن لما كانت أيديهم وأرجلهم مغلولة بأغلال من نار لا يقدرون أن يمدوا يدا اذا بدا لهم الطعام، وأنكى من ذلك أنه لما كانت هذه العقارب نفسها التي يأكلها لتلتهم بطنه غير قادرة على الخروج سريعا فانها تمزق سوءة النهم، ومتى خرجت نجسة وقذرة على ما هي عليه تؤكل مرة اخرى، ويهبط المستشيط غضبا الى الدركة الاولى حيث يمتهنه كل الشياطين وسائر الملعونين الذين هم أسفل منه مكانا، فيرفسونه ويضربونه ويضجعونه على الطريق التي يمرون عليها واضعين أقدامهم على عنقه، ومع هذا فهو غير قادر على المدافعة عن نفسه لان يديه ورجليه مربوطة، وأنكى من ذلك انه غير قادر على اظهار غيظه باهانة الآخرين لأن لسانه مربوط بشص شبيه بما يستعمله بائع اللحوم، ففي هذا المكان الملعون يكون عقاب عام يشمل كل الدركات كمزيج من حبوب عديدة يصنع منه رغيف، لأنه ستتحد بعدل الله النار والجمد والصواعق والبرق والكبريت والحرارة والبرد والريح والجنون والهلع على طريقة لا يخفف فيها البرد الحرارة ولا النار الجليد بل يعذب كل منها الخاطئ التعيس تعذيبا.
الأربعاء سبتمبر 29, 2010 3:20 pm من طرف hamdy222
» حقيبة المسلم
الأحد فبراير 28, 2010 4:08 am من طرف hamdy222
» صلوات على محمد لباسم الكربلائى;
الثلاثاء أكتوبر 14, 2008 2:35 pm من طرف Admin
» أسماء الله الحسنى للنقشبندى
الثلاثاء أكتوبر 14, 2008 1:54 pm من طرف Admin
» بروتوكولات حكماء صهيون
الثلاثاء أكتوبر 14, 2008 12:50 pm من طرف Admin
» ربى قعوار ..لماذا أسلمت..؟ 2
الخميس سبتمبر 11, 2008 11:00 am من طرف زائر
» ربى قعوار ..لماذا أسلمت..؟
الخميس سبتمبر 11, 2008 10:58 am من طرف زائر
» افتتاح موقع جديد عن سيدنا رسول الله
الإثنين سبتمبر 01, 2008 11:32 pm من طرف Admin
» كلام من قلب مؤمن...لماذا أسلمت...
الإثنين سبتمبر 01, 2008 11:10 pm من طرف Admin